رأي آخر..اليونان بين الاستقرار المالي والاجتماعي!

أعلنت المفوضية الأوروبية أن البرنامج الأوروبي لإنقاذ اليونان سيكون جاهزاً في أيار القادم. يأتي إعلان المفوضية بعد أن عادت الأزمة الاقتصادية اليونانية إلى واجهة التطورات الاقتصادية خلال الأسبوع الماضي وتهاوى اليورو إلى أدنى مستوى له تجاه الدولار الأمريكي خلال سنة. وبدأ العاملون في القطاع العام في اليونان يوم الخميس الماضي إضرابا عاما لمدة 24 ساعة، احتجاجا على إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة لمواجهة أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بها. وشملت الإضرابات عمال مجالس البلدية في البلاد لمطالبتهم بتوفير عقود عمل دائمة إلى الأشخاص الذين يعملون بعقود مؤقتة، بالإضافة إلى اتحاد علماء الآثار الذين يطالبون بشغل نحو 4200 وظيفة شاغرة في القطاع.
تأتي تداعيات الأزمة اليونانية نتيجة البدء بتطبيق خطة تقشف صدقت عليها الحكومة اليونانية مطلع الشهر الماضي للحصول على قروض بقيمة 45 مليار يورو وتهدف إلى توفير أربعة مليارات و800 مليون يورو، تتضمن ترشيد النفقات وزيادة قيمة الضريبة المضافة والضرائب المفروضة في بعض القطاعات مثل الوقود، إلى جانب تجميد رواتب المتقاعدين في القطاع العام وتأتي تلك الإجراءات في الوقت الذي تخطى فيه الدين العام باليونان نسبة 110% من إجمالي ناتجها المحلي، فيما بلغت نسبة العجز في موازنتها 12.7%. ‏
تدفع اليونان اليوم ثمن سياسات اتبعتها الحكومات المتعاقبة ركزت على الاستقرار المالي على حساب السياسات الاقتصادية الكلية الأخرى مستفيدة من الدخول في منطقة اليورو وبالتالي عملة قوية بالإضافة إلى برامج اجتماعية استرضت بها الناخبين واستهدفت قطاعات واسعة شملت زيادات في الرواتب والأجور والرواتب التقاعدية وقد وصلت رواتب الموظفين في القطاع الحكومي إلى ضعفي ما يدفعه القطاع الخاص والذي مول هذه السياسات هو دين عام قامت باقتراضه الحكومات اليونانية المتعاقبة بفضل الدخول في منطقة اليورو وتحقيق معايير الانضمام إليها والبقاء فيها باستخدام المشتقات المالية. ‏
وفوجئ المستثمرون بأنه وبدلاً من الالتزام بحدود عجز الموازنة العامة ضمن 3% من الناتج المحلي الإجمالي أعلنت الحكومة اليونانية عن عجز في الموازنة يقارب 13%. وتحاول الحكومة اليونانية الحصول على 53 مليار يورو لسد احتياجاتها المالية لمواجهة استحقاقات الدين العام وقد وعدت بتخفيض عجز الموازنة العامة من 13% إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يصل إلى 400 مليار دولار. ‏
خلال عقد من الزمن اتبعت الحكومة اليونانية سياسات مالية ركزت على الاستقرار المالي على حساب السياسات الاقتصادية الأخرى وقد استفادت من قوة العملة الأوروبية التي انضمت إليها ومن تصنيف سيادي جيد ومن معدلات فائدة منخفضة جداً مما أدى إلى استدانة الحكومة والأفراد على السواء وهو ما أشعل زيادة الدين العام والخاص على السواء. رزمة المساعدة الأوروبية ليست مجانية فمن التدابير التي تطلبها برنامج الإنقاذ تخفيض المعدل الاسمي للأجور وفرض المزيد من الضرائب على السلع الكمالية وبالتالي فثمن المطالب واضح تخفيض في معدل الرواتب والأجور وزيادة في الضرائب. وكما نقلت ايكومنيك تايمس عن أحد معلمي المدارس الذي شارك في الإضراب للدفاع عن راتب تقاعدي يصل إلى 28.000 يورو سنوياً عند بلوغه الستين سنة وهو ما يعادل 38.000 دولار أمريكي بدعوى أن العمال لا يمكن أن يكونوا هم كبش الفداء بينما معدل المعاش التقاعدي السنوي في الولايات المتحدة الأميركية 15.000 دولار أمريكي يستحقه من يبلغ 65 سنة. ‏
من الواضح أن من أسباب الأزمة اليونانية الوصفة التقليدية التي تؤكد الاستقرار المالي دون الأخذ بعين الاعتبار السياسات الاقتصادية الكلية الأخرى وبالتالي يعتمد تحقيق الاستقرار المالي على نمو الدين العام والخاص على السواء. وبغياب تحقيق نمو في الاقتصاد الحقيقي، فإن الاستقرار المالي ما يلبث أن يتزعزع تحت وطأة استحقاقات الديون العامة والخاصة!.

مشكوووووووووووووووووووووورة